نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر بالشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر المؤتمر الدوري السنوي الأول بعنوان: "القرآن والمعرفة الإنسانية: نحو معرفة إنسانية راشدة"، وذلك في 1-2 أكتوبر، 2025م، وقد افتُتِح المؤتمر في فندق أنداز الدوحة، وأقيمت أعماله في مدرج كلية القانون بجامعة قطر، وقد قدِّمت فيه 18 ورقة بحثية تناولت الحقول النفسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية.
حضر حفل الافتتاح سعادة الشيخ الدكتور/ خالد بن محمد بن غانم آل ثاني؛ وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وسعادة الدكتور/ إبراهيم بن صالح بن خليفة النعيمي؛ وكيل وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، وسعادة الدكتور/ عمر بن محمد بن عبد الله الأنصاري؛ رئيس جامعة قطر، والأستاذ الدكتور أيمن محمود إربد، نائب رئيس الجامعة للبحث والدراسات العليا، وعدد من كبار الشخصيات من مختلف الوزارات والقطاعات الرسمية والأكاديمية.
يهدف المؤتمر إلى استعادة مركزية القرآن الكريم في صناعة الخطاب المعرفي الإنساني والاجتماعي المعاصر، بما يجسّر العلاقة بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ويربط الباحثين من مختلف التخصصات الاجتماعية والإنسانية بالقرآن؛ لاستثماره في ترشيد الظواهر الإنسانية والاجتماعية المختلفة، كما يهدف المؤتمر إلى تشجيع الباحثين من التخصصات الشرعية إلى التفاعل المنهجي مع العلوم الاجتماعية والإنسانية وتوطينها في ضوء الهداية القرآنية.
وقد اختصّ المؤتمر في دورته الحالية بالبحث في دور القرآن الكريم في ترشيد المعرفة الإنسانية عبر أربعة محاور تشمل: العلوم التربوية، والاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، وذلك من منطلق كون القرآن الكريم كتاب هداية للبشرية كافة، بما فيها العلوم والمعارف المختلفة، وقد سعت البحوث المقدّمة في المؤتمر، والتي بلغت 18 بحثًا علميًا، إلى الاستفادة المنهجية العلمية من الهداية القرآنية في معالجة القضايا المتعلقة بالحقول المعرفية المذكورة.
افتُتِح المؤتمر بكلمة ترحيبية من سعادة رئيس جامعة قطر الدكتور/ عمر بن محمد الأنصاري، الذي رحَّب في بداية كلمته بالضيوف المشاركين في المؤتمر والحضور الكريم، على رأسهم أصحاب السعادة وكلاء الوزرات، كما أشار في كلمته إلى أهمية هذا المؤتمر والسياق العلمي الذي يأتي فيه، ويرى أن أهمية هذا المؤتمر تكمن في "بناء الوعي المعرفي الإنساني في ضوء هداية القرآن الكريم؛ لكونه وحيًا إلهيًا ونبراسًا معرفيًا وقيميًا للإنسانية، يحمل في طيّاته الأوامر والنواهي والإرشادات والتوجيهات التي تشمل جميع مجالاتِ الحياة، حيث إن للقرآن هدايتَه التامة في التربية والنفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة والإدارة وسائر المجالات الإنسانية، لا سيما على مستوى ترشيدِ المعرفة الإنسانية وإصلاحِها وتوجيهِها وتنويرِ طريقها إلى ما فيه صلاح الإنسان والعمران والكون، باعتبار هذه الثلاثية مهمة في تحقيق تعميرِ الأرض وتحقيقِ مقاصد الشرع في الخلق، حيث يوطِّن المعارف الإنسانية بما يتناسب مع هويتنا الإسلامية والعربية".
كما تحدث في حفل الافتتاح الشيخ الدكتور/ أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف، إذ رحب في بدايتها بالحضور، ومن ثمّ تحدث عن أهمية المناسبة، التي تجمع بين هذا المؤتمر، وما يصاحبه من ملتقى كُتّاب الأمة، مشيرًا إلى أن «المؤتمر» يأتي إسهامًا في الجهود التي تبذل لاستئناف الدور العظيم، الذي كانت تضطلع به المعرفة القرآنية في ترشيد علوم الإنسان ومناهجه وقضاياه، وربط الباحثين بها منهجًا وغاية وعملًا.
ونوّه سعادته بأهمية «الملتقى»، مؤكدًا أنه يأتي، في جانب منه، لتسليط الضوء على سلسلة «كتاب الأمة» التي أصبحت تشكل إرثًا ثقافيًا وفكريًا قطريًا عريقًا، وقد مضى على تأسيسها وانطلاق مسيرة عطائها أكثر من أربعة عقود من الزمان، اهتمت خلالها بالعمل على تحقيق أهدافها المنشودة لإعادة بناء الشخصية المسلمة، وإحياء مفهوم فروض الكفاية وأهمية التخصص، والمساهمة في بناء النخبة الراشدة، وإشاعة الوعي بأهمية المنهج السنني، متخذة من معرفة الوحي، مرجعيةً ومصدرًا لذلك.
ثم جاءت كلمة الدكتور بدران بن لحسن، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر، والتي ذكر فيها أن هذا المؤتمر يأتي ضمن إطارَيْ التجسير والتوطين اللذين يعمل فيهما المركز، إذ يهدف الأول إلى التشبيك المعرفي بين المعلوم المختلفة لمعاجلة القضايا الإنسانية والاجتماعية بصورة متكاملة دقيقة، في حين يسعى إطار التوطين إلى إعادة النظر في العلوم والمعارف والنظريات المعاصرة بما يتلاءم مع هويتنا الدينية والثقافية وينسجم مع السياقات الاجتماعية والضرورات المنهجية والتطبيقية، بما يضمن إفادة المجتمع منها.
وبعد حفل الافتتاح تتابعت جلسات المؤتمر في مدرج كلية القانون بجامعة قطر، حيث خصِّصت الجلسات الستة المنعقدة على مدار اليومين لبحث العلاقة بين القرآن الكريم والمعرفة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية من مختلف الأبعاد والاتجاهات والزوايا، وقد تخللت هذه الجلسات أسئلة ومناقشات من المشاركين والحضور.
وقد ناقشت البحوث المقدمة في هذه الجلسات دور القرآن في تأصيل المعرفة النفسية وتطبيقها، والتلقي القرآني للمعرفة النفسية في ضوء علم النفس الإيجابي، والتأسيس القرآني لمفهوم الوعي اللا-إرادي مقابل اللاوعي الفرويدي في التحليل النفسي، ودور القرآن في معالجة سيكولوجية تضخم الأنا في الفرد والمجتمع، ونظرية العلاج بالمعنى النفسي من خلال قصة أصحاب الأخدود، ودور القرآن في معالجة الضغوط النفسية المعاصرة في ضوء سورة الضحى، والرؤية القرآنية للسلوك البشري، والإسعافات النفسية الأولية في القرآن الكريم، وتعليم الحكمة في القرآن الكريم في ضوء أصوله التربوية ومناهجه التطبيقية.
وقد خصِّصت الجلستان الأولى والثانية لليوم الثاني لمناقشة العلاقة بين القرآن الكريم والمعرفة الاجتماعية، إذ تناولت البحوث المقدمة فيها دور تفسير التسوير والبصائر (التفسير الكلي) لسورة النساء في التأسيس المجتمعي للبشرية، والتنوع الاجتماعي في القرآن الكريم، وهندسة العلاقات الأسرية في الرؤية القرآنية في ضوء النظرية البنيوية الوظيفية، والتصور القرآني في تعزيز التواصل لبناء المعرفة الاجتماعية، ومعالجة القرآن الكريم لمشكلة التنافر المعرفي في المعرفة الاجتماعية، والأسس النظرية لإصلاح المجتمعات من خلال القرآن الكريم.
في حين خصِّصت الجلسة الثالثة لمناقشة دور القرآن الكريم في ترشيد المعرفة الاقتصادية، وقد تناولت البحوث المقدمة فيها قضايا مهمة ذات صلة بالاقتصاد من المنظور القرآني، مثل الرؤية القرآنية للنظام النقدي العادل، ودور المعرفة القرآنية في بناء اقتصاد عادل ومستدام، وسنة التدافع والدفع اللطيف في القرآن الكريم وعلاقته بالاقتصاد السلوكي، والسلوك الاقتصادي الرشيد في المنظور القرآني: دراسة مقارنة مع النظرية الكلاسيكية للرشد الاقتصادي.
اختتم المؤتمر أعماله في الساعة الخامسة مساء من اليوم الثاني، وقد اتسمت الجلسات كلها بالحضور المكثف والتفاعل الواسع من الحضور مع ما طرحه الباحثون من أفكار وقضايا في أوراقهم العلمية.